تحتفل معظم الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعيد الأم في الحادي والعشرين من شهر آذار مارس من كل سنة، لذا فإن يوم الغد هو يوم الـ.... في الحقيقة... لست أدري تماما
سوف يتولى موقع التواص الاجتماعي
فيسبوك مهمة إبلاغنا بتقارير مفصلة عما سيحدث خلال الساعات القيلة القادمة حيث قد
بدأ البعض فعلا بإضافة صور لهم برفقة أمهاتهم وبعض الأمهات قد شاركن صورا للهدايا
التي استلمنها ولخطة الاحتفال أيضا... إنه لأمر شيق أن نتابع الطريقة
"الفيسبوكية" التي يعبر بها الناس عن مشاعرهم حول هذا اليوم، وهذا أمر
جيد ولكن ما يؤلمني هو التفكير بأولئك الفيسبوكيين الصامتين الذين يتابعون ما يحدث
ولكنهم غير قادرين على المشاركة في الاحتفال. لو حاولت أن أصنف هذه المجموعة من
الناس في مجموعات أصغر أجدني أفكر في الأبناء والبنات الذين فقدن أمهاتهم، وأفكر في
الأرامل من النساء والرجال، وأفكر في الزوجات اللواتي لم ينجبن، وأفكر في البنات
اللاتي لم يتزوجن، ولكنني أفكر أيضا في مجموعة اختبرت أقسى أنواع الألم برأيي وهو
ألم فقدان ابن أو ابنة فالساعات القادمة لن تكون سهلة بالنسبة لأولئك الأمهات
الثكالى. أنا أعي تماما أنهن دائمات التفكير بأبنائهم كل ساعة من كل يوم ولكن يوم
غد على وجه التحديد سيكون أحد أصعب أيام السنة.
نحن كأسرة لا نولي اهتماما كبيرا لعيد
الأم، في عائلتي كنا نحتفل بأن ندعو والدتي إلى غداء فاخر في مطعم مشهور ثم نزور
جدتي لأمي ونجلب الهدايا لكلتيهما ولخالتي أيضا ثم نختم يومنا ببعضة معايدات
هاتفية. أتذكر تقليدا اعتده في كنيستي الإنجيلية المشخية بدمشق يوم الأحد الذي
يسبق عيد الأم حيث كانت بضعة سيدات تقفن على باب الكنيسة ويعطين الأمهات الواصلات
إلى الخدمة الصباحية وردة حمراء (أو يثبتنها بدبوس على صدورهن) أما "أمهات المستقبل"
فكن يستلمن وردة بيضاء وكنت أنا بكل فخر أنتمي لمجموعة حاملات الورود البيضاء.
في يوم 21 آذار/مارس سنة 2006 مر شهران
على خطوبتي فأصبحت تلك الوردة البيضاء تعني لي الكثير
في يوم 21 آذار/مارس سنة 2007 و 2008
بدأت أحتفل بعيد الأم في مصر بصفتي "مدام" وانقطعت تلك الورود البيضاء
في يوم 21 آذار/مارس سنة 2008 كنت حبلى
بإبننا الأول وبدأت رسميا الاحتفال بعيد الأم كأم أو على عتبار ما سيكون قريبا جدا
ومنذ ذلك اليوم بدأت الأمور تتغير،
وكان التغيير مستمرا
ففي يوم 21 آذار/مارس سنة 2010 شاركنا
ابني الاحتفال
في يوم 21 آذار/مارس سنة 2011 كنت حبلى
بابنتنا
في يوم 21 آذار/مارس سنة 2012 انظمت
ابنتي للأسرة واحتفلتُ لأول مرة كأم لطفلين اثنين
من المتوقع ألا يختلف يوم 21 آذار/مارس
سنة 2013 عن سابقه، ولكن قد ظهر الاختلاف ليس لأسباب سيئة، لا قدر الله، ولكن
لأسباب كامنة تختبئ قليلا تحت السطح في انتظار من سيجدها عندما يحفر أعمق بقليل من
جملة "كيف حالك؟"
منذ بضعة أسابيع، وبالصدفة البحتة، قام
عدد من صديقاتي (في نفس الوقت) بتغيير صورهن على فيسبوك. جدير بالذكر أنهن متزوجات
ولديهن أطفال فمن البديهي بمكان أن تكون صورهن السابقة لزوجين سعيدين أو أسرة
حديثة أو مولود جديد أو أبناء قد كبروا ولكن صديقاتي قد تجرأن على تغيير صورهن
واستبدالها بصور لهن!! وحيدات!! كالعازبات!! بَدَون أقرب إلى الأميرات كل منهن
تنتظر أميرها ممتطيا صهوة جواد أبيض يأخذها لعيشا بسعادة إلى الأبد تماما كما يحدث
في الحكايات!
هذا تصرف لا غبار عليه نهائيا فعندما
انضممت إلى فيسبوك منذ سنوات عدة كنت متزوجة وكان لدي الوقت الكافي لأختار نوع
الصور التي سأشاركها ولكنني كنت أختار فقط صورا لي برفقة زوجي ثم صورا لورقة
مطبوعة استلمناها من طبيب الأشعة يظهر فيها جنيننا وبعدها توالت قطع الدومينو في
التساقط متلاحقة واحدة تلك الآخرى ومنذ ذلك الحين لم أضع صورة قط لي لوحدي وبدا
الأمر عاديا إلى أن رأيت ما اقترفَته صديقاتي وأصابتني الصدمة. لقد شعرت بأن هذا
الأمر غريب بل وغير مقبول... لكن لماذا؟ لماذا كنت رافضة للفكرة؟ فاجأتني ردة فعلي
تلك، استوقفتني فلزم أن أقضي وقتا في التفكير: إذا كان لدي الآن زوج وأطفال، لماذا
يتعذر علي، بل وأعتبره أمرا غير مقبول، أن أضع صورة لنفسي، صورة رائعة وحديثة،
ليست صورة من أرشيف المدرسة الثانوية... لماذا؟
سألت نفسي أسئلة عن هويتي؟ عن
الـ"أنا" وكيف أن كلمة "أنانية" في العربية تشبه كلمة
"سيلفشنس" بالإنجليزية حيث تبدأ بكلمة أنا ،"سيلف"، هل قامت
الأمومة بمحو تلك الـ"أنا"؟ أم أنني أنا من اقترفت هذا الذنب؟ أم أنه
هرمون "أمومي" قد أعاد هندسة خلايا دماغي لتفكر فقط في الأولاد
واحتياجاتهم والطعام والزوج والمنزل والميزانية والمستقبل والقوائم اللانهائية
لمهمات عليّ القيام بها وكلها مرتبط بالآخرين وليس بي أنا... لست أرجّح هنا كفة
الأنانية أوأن أكون أما أنانية لكنني فقط أفكر في كينونتي كأم، بل في كينونتي أصلا.
لذا فقد وضعتُ أمامي تحديا يخص هدية
عيد الأم التي سأقدمها لنفسي هذا العام (بالمناسبة: أنا هو الشخص المسؤول أن يجلب
الهدايا لنفسي في عيد ميلادي وفي المناسبات الخاصة) وكانت الهدية هي أن أغير صورت
حسابي على فيسبوك وأضع صورة لي أنا، أحدث وأجمل صورة لي وحدي... لكني (الصدمة
الثانية) لم أجد ولا واحدة... لم أجد أية صورة في كاميرتنا لأنني أنا هو "المصوراتي"
في الأسرة ولم أجد أية صورة من الصور الرائعة التي تلتقطها صديقتنا العزيزة ماجي
(حتى أثناء جلسات التصوير في عيد القيامة وعيد الميلاد الماضيين لم يخطر ببالي وسط
كل التفاصيل والتحضيرات التي كنت أقوم بها أن أقول: "يا ماجي! أريد منك رجاء
أن تلتقطي لي صورة مع الأولاد، أو صورة لي أنا فقط لو سمحتي") لم أجد صورة
التقطها أحد ما لي في عرس أو احتفال ما مؤخرا ولم أرغب في أن أقص أية صورة جماعية
لأبقي على وجهي أنا فقط، فكرت في صور الهوية ولكننا مؤخرا لم نحتج لأي تأشيرة سفر
أو أوراق رسمية وآخر مرة ذهبت فيها إلى ستوديو تصوير كان لألتقط بعض الصور لابني
وابنتي معا.
قررت
تغيير الخطة فسأشتري إذا لنفسي شيئا مميزا ومفيدا، لذا فكرت، ما هو الأمر الذي
أتقنه؟ ما هو النشاط المفضل عندي؟ ما هي نقاط القوة؟ لأنني أردت أن أجد الأمر الذي
أجيده تماما لكي أشتري هدية مناسبة ولكن المفاجأة (الصدمة الثالثة) كانت أنني
اكتشفت بأني لست ماهرة في فعل أي شيء، ولكنني في الوقت نفسه أنا من يقوم بكل شيء!
علي أن أؤكد هنا أن زوجي متفهم ومدعم ومساعد للغاية (مرحبا حبيبي! تابع القراءة)
ولكن عند غياب خطة واضحة أو طلب محدد أو عرض كريم فإن "ماما" هي تلقائيا
من يقوم بكل المهام أو من يُطلب منها كل الطلبات، هكذا تسير الأمور في أسرتنا
والعديد من العائلات الآخرى. أنا لست أتكلم حصريا عن الواجبات المنزلية أو المهام
المتعلقة بالأبناء فقط ولكنني أساهم في المدخول المادي للمنزل من خلال عملي في
الترجمة وفي مشروع "رهاميات" أنا أيضا السواق الذي يأخذ الأولاد إلى
المدرسة والحضانة أيا كانت الطاقة الجسمية والنفسية التي تتطلبها قيادة السيارة في
بلادنا إضافة لأيام العطلات فأنا من يأخذ الأولاد في نزهات ليستمتعوا بوقتهم خارج
المنزل وعند انقطاع التيار الكهربائي فأنا من يتسلق أحد عشر طابقا مع طفلين (نصيحة
على الهامش: نحن نصعد 7 طوابع دفعة واحدة ثم نستريح في الطابق السابع ونكمل المهمة
الشاقة في صعود الطوابق الأربعة المتبقية).
في
وسط زحمة الأفكارتلك قررت أن أخفف عن نفسي بأن أفكرفي زوجي، زوجي قسيس وأنا برأيي (وتلك
نظرية تحتمل الصواب والخطأ) أن القسوس يشبهون الأمهات إلى حد كبير.
إن العمل كقس هو عمل بأجر مدفوع ولكن الراتب
الشهري لا يمكن مقارنته إطلاقا مع الجهد الذي يبذله القسيس 24 ساعة في اليوم ولمدة
7 أيام في الأسبوع وذلك ببساطة لأن وظيفة القس ليست وظيفة إنما هي شكل من أشكال
الخدمة والتضحية والتطوع. على نفس الشاكلة فإن الأمهات لا يتقاضين أي أجر لكونهن
أمهات ولكن كل واحدة منهم توفر مبلغا ماليا ضخما من خلال ما تقوم به لمجرد أنها
تقوم به مجانا فكل ما تفعله الأم هو خدمة وتضحية وتطوع.
كلا
الأم والقس في نظر الناس وقتهم "فاضي" إذ يتساءل الجميع عما يفعله القس
طوال اليوم أو الأم طوال نهارها في المنزل بينما الحقيقة هي أن الأم والقس يقومان
بكل شي داخل المنزل وخارجه، داخل الكنيسة وخارجها.
ليس
لدى الأمهات "اختصاص" معين أو نقطة قوة حتى لو كانت الأم قد تخرجت في
الكلية بدرجة البكالوريوس أو الماجستير أو حتى الدكتوراه فهي في النهاية ستصبح
(وتجد نفسها مجبرة أن تكون) خبيرة في كل شيء لذا تتحول الأم إلى طباخة وجليسة
أطفال وعاملة نظافة ومدرّسة وممرضة وسائق... وكل ما يخطر ببال المرء. ليس لدى
القساوسة اختصاص فهم يتخرجون في كلة اللاهوت بدرجة البكالوريوس أو حتى الماجستير
وقد يغيبون سنة أو أكثر للحصول على شهادة الدكتوراه ولكن فور عودتهم إلى الخدمة في
الكنيسة فهم يتحولون إلى اختصاصيي إدارة ومشورة ووعظ وتعليم وتأديب وزيارات وحل
مشاكل وفض نزاعات ... وكل ما يخطر ببال المرء، في كنيستنا عندما يتعطل المصعد يتصل
الناس بزوجي!
تتمتع
معظم الوظائف بساعات عمل محددة يعود بعدها الموظف إلى منزله ويكون "في
البيت" مع استثناء الأطباء المناوبين. ولكن الأمهات والقسوس ليس لديهم وقت
لانتهاء العمل، لا أجازات ولا عطل نهارا أو ليلا، صيفا أو شتاء، هم دائما
"مناوبون" ومهامهم اليومية تغطي ساعات اليوم كله إلى وقت متأخر من الليل
عدا عن المؤتمرات والحالات الطارئة التي تجبر الحياة على التوقف لوقت قد يقصر أو
يطول.
لذا
أود أن أهدي هذا المقال لزوجي ولكل الأمهات اللواتي هن في نفس الوقت زوجات قسوس،
لأن الإنسان الذي تتلخص حياته في رعاية الآخرين والاعتناء بهم عندما يتزوج من
إنسان آخر حياته أيضا تتلخص في رعاية الآخرين والاعتناء بهم فإن المتوقع هو أن
يكون الأبناء أكثر المخلوقات تلقيا للرعاية والاعتناء في العالم بأسره ولكن هذا
ليس صحيحا، فالأمر يتطلب قدرا كبيرا من الوعي والعمل الشاق لخلق مناخ صحي في
المنزل يحمي فيه أولئك الأبوين أبناءهم من النتائج السلبية الحتمية.
عادة
ما لا يفهم الرجال الأمومة بالقدر الكافي: لماذا أجد زوجتي مرهقة طوال الوقت؟ إن
الاعتناء بالأبناء أمر سهل ولكن زوجتي تضخم الموضوع، لقد كانت تتوق طيلة حياتها لتصبح
أما وها هي الآن دائمة التذمروالشكوى!.... يمكنني أن أكتب عددا لانهائيا من الجمل
المشابهة التي يقولها الرجال عن زوجاتهم. الحقيقة هي أن الأم وحدها قادرة على فهم
وتفهم تحديات أم أخرى، وبنفس الطريقة فإن القسيس وحده وزوجة القسيس هما فقط الأكثر
قدرة على فهم وتفهم تحديات الحياة والخدمة الكنيسة خاصة إذا كانت الخدمة بإخلاص
وأمانة إلى أقصى الدرجات.
بناء
على ما سبق علي أن أشتري هديتين في عيد الأم، هدية لي وهدية لزوجي مع تمنياتي بعيد
أم سعيد لكلينا.
20 آذار/مارس 2014
حقوق الطبع والنشر محفوظة لمدونة "رهاميات" واقتطاع أي جزء من المقال أو أعادة نشره يستلزم الإذن المسبقة من الكاتبة