في صيف 2002 عزمني أخي ومرته زورهم بلندن وأعتني ببنتهم اللي كان عمرها 7 شهور. كنت أستعمل الـ Underground للتنقل لأنه أسرع بس كنت حب الباصات أكتر مع انها أبطأ بس لونها أحمر مهضوم وكان فيني أتفرج ع المدينة فوق الأرض. مرة استنيت الباص كتير وبعدين لما إجا كان معه كذا واحد تاني، لما حكيتلهم بالليل قالتلي مرت أخي مقولة بالانجليزي بتضحك بس حقيقية كتير:
"Buses are social creatures, they travel in groups"
ضليتني متذكرة هالمقولة سنين طويلة ولما انتقلنا ع الاسكندرية سنة 2007 لقيتها بتنطبق على الترام لما بتستناه ليوجعوك رجليك من الوقفة وبتلاقي 3 مروا بالاتجاه المعاكس وانت لسا مستني ترامك!!!
مؤخرا عم أتذكر هالمقولة بشكل متكرر كتير لأني اكتشفت انها بتنطبق مو بس ع المواصلات لكن كمان ع المشاكل والصعوبات والتحديات بحياة الإنسان لأني لقيت كذا قضية عويصة عم تجيني واحدة ورا التانية بنفس الاتجاه المعاكس وقلما لاقي "سعادات" عم تجي بالاتجاه الي أنا مستنيته
كلمة "سعادات" كانت من أول الكلمات اللي اخترعها مخي أيام الطفولة وكنت أستخدمها الصبح بكير. بما إني morning person فأنا بآمن ان الله خلق النور للصحيان والشغل وخلق الليل للنوم ولو حصل استثناء سهر فهو للمة الأصدقاء والعائلة أو لكتابة الشعر والإبداع الليلي، أما اني أسهر مزاج أو طبع أو استمتاع بالسهر لمجرد السهر فهاد خارج قاموسي، بحب النوم وتحديدا النوم بكير والفيقة بكير مع أول شعاع للشمس ووعد بيوم جديد. طبعا بعد ولدين تحولت صفحات قاموسي هاد إلى "قراطيس ترمس" والنوم طار مع مذنب هالي بيزورني كل 75 سنة مرة، ووقتي صار سلطة وخلطبيطة كله داخل على بعضه ما في فرق بين ليل ونهار ولا في فرق بين يوم والتاني، بس بأيام الطفولة والشباب كان لسا في شي اسمه نهار منفصل عن شي اسمه ليل وكنت أول ما أفتح عيوني ع يوم جديد اسأل حالي "شو في سعادات اليوم؟" وأعمل check سريع:شو اليوم بأيام الأسبوع؟ مدرسة ولا عطلة؟ عندي قطعة تياب جديدة اشتريتها امبارح؟ في "شي طيب" بالبراد (حاجة حلوة في الثلاجة)؟ عنا عيد ميلاد؟ واصلني هدايا؟... شو ما كان السبب ليكسر الروتين ويضيف لمسة سعادة على يومي كنت سميه "سعادات"
المطر أو الثلج بدمشق كانوا من الـ"سعادات" لو فقت لقيت الجو غيوم كنت أعتبرها "سعادات" وكان المطر يسبب لي pure happiness لا تشوبها شائبة خاصة ان إسمي معناه "المطر الخفيف المتواصل". بس بأول سنة من سنوات الغربة في بيروت بطل المطر "سعادات" صافية لأني صرت قبل ما أفرح انه اليوم في مطر (وما أكثر المطر في المدن الساحلية) كنت خاف اني ناشرة غسيل ع الحبل، بعدين صرت خاف ان الطريق للجامعة يكون فايض كالعادة ورح أغطس فيه ويضلوا رجليي مبلولين طول اليوم.
مو بس الغربة جابتلي شوائب على "سعادات" الأيام الماطرة، الزواج كمان، مع غربة أكبر وكمية غسيل أكبر، وكترت الشوائب وانضم لها طفلين خاف عليهم من بحيرات الاسكندرية ومن السيارة اللي ممكن تطفي معي بأي وقت ونحنا عايمين ببحرة بنص الشارع، لكن حبي للمطر كان من نوع الـ unconditional love غير مشروط بغسيل أو بلاليع مسدودة
اليوم الصبح فيقني المطر الساعة 6 وقبل ما صنفه "سعادات" نطيت من التخت حتى غطي الغسيل ولما حسيت بالأمان صحصحت و حددت موقع اليوم : جمعة، امبارح كان الخميس، شو في سعادات من امبارح؟ ما في شي، امبارح استنيت الترام أكتر من نص ساعة واتفرجت على 3 مروا بالاتجاه اللي "ضدي" واتذكرت مقولة مرت أخي ولما بالأخير اجا الترام بالاتجاه اللي "معي" ركبته ... ما استنيت شوف رح يجي غيره، كان بدي ترام طابقين مشان لاقي كرسي فوق، ما إجا متل ما بدي بس ركبته. ركبت لأني تعبت من الوقفة اللي اجت بعد توهان ومشي كتير كان كل همي أركب بلا تحليلات وانتظارات، أتحرك حتى لو ببطء، أمشي لقدام، مع اني كان ممكن ضل واقفة ع الرصيف عم أجمع معطيات و data مشان أعمل استنتاجات وإحصائيات، استنى ترام على ذوقي، بس اخترت وقررت وركبت، قرفصت (جلست القرفصاء) على الأرض وتحركت بالاتجاه اللي "معي"، تحركت لقدام...
هاد كان امبارح، مو اليوم، اليوم مانه فاضي، كيف هيك نسيت؟ اليوم أنا عندي سعادتين: المطر وهدية عيد ميلادي.
عيد ميلادي كان يوم 9/11 nine-eleven بس عكس الأميركاني. وهالسنة قررت ما أحتفل، شلت التاريخ من ع الفيسبوك لأني ما بدي أحتفل، ما بدي مجاملات فيسبوكية، كان بدي اللي يعايدني يكون عرفان ان عيد ميلادي، يكون صديقي، صديقي من زمان، ويكون بيعرفني، بيعرفني واقعيا مو افتراضيا، بيعرف ان إسمي بينكتب رهام بدون ياء وانه معناته المطر، بيعرف ان إسمي التاني "ياسمينة" أيام التشات والمسنجر اللي كان بسرعة الحمام الزاجل، بيعرف ان عرسي كانت زينته ورد الياسمين، بالبيت وبالكنيسة، لأني كنت عم ودع دمشق مدينة الياسمين، مدينتي...
كان عندي حنين لمين أنا، بعيد ميلادي الـ 35 كان بدي إرجع وكون أنا، بعيدا عن واجباتي ومسؤولياتي، بعيدا عن الزواج والأمومة، بعيدا عن كل شي بياخد مني أكتر ما بيعطيني، سنين طويلة نسيت فيها مين أنا وعشت مين لازم كون بالنسبة للي محتاجين إلي، اشتقت لـ"ياسمينة" اشتقت لأصدقائي القدام اللي بيعرفوني، أنا بحب أصدقائي الجدد بس هني اجوا مع package ، اجوا في حقبة ما بعد المسؤوليات، في حقبة نسيان الهوية، فصرنا أصدقاء تجمعنا قضايا أولادنا ومواعيد أزواجنا، لا أنا باعرف هم مين ولا هم بيعرفوا أنا مين. الماضي ما إله مكان في حاضر يفرض نفسه بمتطلباته متل مثلث برمودا، حاضر بيمحي كل شي تاني وبيبلعنا وبيخلينا نختفي ونبطل نعرف نحنا مين...
اخترت هديتي هالسنة على هاد الأساس، هدية تكون أنا، تذكرني بـ"رهام" بـ "ياسمينة"، شتلة ياسمين، تجبلي ريحة الشام لبيتي وتخلي ريحة الياسمين تمر على جروح الزمان والمكان، ترفعني فوق الواقع والحرب وتعطر وتطهر وتطبطب وتهمس... حتى لو ما حدا رح يفهمها غيري.. الهوية إلها ريحة... حتى لو ما حدا عنده وقت يوقف لحظة في حضرة ريحة الياسمين... بدي شتلة ياسمين تعزم الناس ترجع بصداقاتها من الفضاء الافتراضي إلى واقع الـ 6 حواس، نرجع نلمس ونشوف... نرجع نسمع ونشم... نرجع ندوق ونرجع نحب...
كنت ناوية أشتري أنا هديتي متل كل سنة بس مشوار المشتل غير مشوار المكتبة، لا بعرف وين المشاتل بالاسكندرية ولا رح فوت أتمختر بالمشتل لحالي، فاستنيت... 12 يوم اجا فيهم كذا ترام بالاتجاه اللي "َضدي" ولا جديد، اتعودت، بس تعبت، تعبت من الانتظار والترقب، تعبت من الإخفاقات والطرقات المسدودة تعبت من الفشل وتعبت من التمثيل، تعبت وفكرت شوف حلول بديلة غير الانتظار، بس قررت ضلني مستنية ع الرصيف، وبالأخير إجا ترام بالاتجاه اللي "معي"، الله بعتلي صديقين غاليين جابولي أمنية عيد ميلادي، أجتني شتلة الياسمين "أحلى جدا مما أطلب أو أفتكر" اجت مفاجأة وأنا بحب المفاجأت، وما اجت شتلة صغيرة رح أستناها تزهر، أجت شجرة فيها ياسمينات وبراعم، فيها "سعادات" لليوم ولبكرا كمان، اجت مو بس نظيفة وبحوض جديد وشيك، كمان ملفوفة بورق هدايا... ركبت... بدون تحليلات واستنتاجات... بدون طمع وانتظار شوف كام ترام جاي بالاتجاه اللي "معي" ورا هاد... ركبت وقرفصت ع الأرض... تحركت لقدام
No comments:
Post a Comment