أنا إسمي رهام
بدون ياء، عمري 36 سنة، مزدوجة الجنسية في زمن مش أحسن حاجة فيه انك تكون سوري-
مصري لأن جنسيتك الأولى هاتبهدل توازنك التفسي وتخليك عايش على مسافة شعرة بينك
وبين الجنان الرسمي الغير مصرح به، وجنسيتك التانية هاتضمنلك وصفة اكتئاب مضادة لأي تفاؤل حتى لو
كان صنع في الصين.
النهاردة أول مرة
في حياتي أعمل حاجة بيقولوا اسمها "حقوق المواطن في المشاركة بالحياة
السياسية". حاجة بقالي مستنياها 36 سنة عشان أدوق طعمها "عايزة أصوت
ياناس" وحصل فعلا اني عرفت شو يعني انتخاب حتى ولو جربته في البلد اللي عشت
فيها ربع عمري بس (9 سنين هي نسبة 25% بالظبط من أصل 36).
كنت فاكرة اني
هازقطط أول ما أخرج من اللجنة واني هاحتفل وأشتري آيس كريم (اللي بيعرفني عارف
إدماني لهذا الاختراع بمناسبة وبدون مناسبة) واني هاصور صوباعي الملون وهاحط الصورة
على الفيسبوك تتوه في بحر حبر فوشيا على صوابع جنبها ابتسامات عريضة بس اكتشفت ان
ده أول حلم طار: حلم السيلفي ولجنة الانتخابات خلفي وصوباعي في أنفي قصدي صوباعي
الفوشيا يتصدر الصورة، عشان ببساطة ما شفتش ولا صورة واحدة حد حاططها لنفسه أو واحدة مشيراها لصوابعهم هي وصاحبتها أو حد مغمس العشر شموع بتوع ابنه في الحبر... نو، مفيش.
الحلم التاني اللي
طار هو الآيس كريم ، لأن كان في طعم تاني في بؤي مش لايق عليه توب الفرحة، كان فيه
مرار الاحباط من ساعة ما بدأت أقول للناس بحماس اني أخيرا هايكون لي صوت انتخابي والكل
كان يرد "إيه ده بجد؟ مبروك" بس بعديها ترن التريقة على طول
"هاتنزلي لوحدك المرة دي" وهي تريقة مش موجهة لي أنا لكنهم بيقولوها في
وش واقع بنعيشه بعد ما الناس حلمت وثارت وانتخبت وصوتت (بالمعنى الموسيقي!)
وانتخبت تاني... بس شاءت الأقدار اني أكون بين صفوف المتفرجين في كل المرات الحماسية دي وأجي
على آخر مرة أشارك بعد ما الكل مشي من عيد الميلاد وحتى البلالين نفست واتجمعت في
ركن من الأوضة تحت ترابيزة مع ورق الهدايا المتقطع.
وانا خارجة
ومستنية مشاعر الهيصة تهب فيّ لقيتني بابص على صباعي الفوشيا وصعبان علي من ناس
كتير. الناس دي بيسموا نفسهم "مقاطعين". حسيتهم هم اللي سلبوا مني
فرحتي، مش الحكومة ولا الدولة ولا النظام ولا البرلمان السابق والمستقبلي،
المقاطعين والمكسلين هم اللي سلبوا مني فرحتي. ومع احترامي لحنكتهم السياسية
وخبرتهم الثورية وآرائهم التنويرية، لكنهم مش بس أذوني أنا لكن أذوا ولادي كمان.
حسيت ان سلبيتهم دي ممكن تجيبنا لورا أكتر من الورا اللي مش عاجبهم حالياً. كان
صعبان علي منهم لأن كان في إيديهم يعملوا حاجة بس اختاروا الصمت واختاروا العناد
السلبي بدل عناد المعافرة الإيجابي واختاروا التعصب لرأيهم بغض النظر عن تبعيات
رأيهم على جيل زي جيل ولادي، وده على فكرة جيل ولادهم هم كمان بس أشك ان ولادنا هايكبروا سوا في مصر. أنا وصلت لقناعة جوايا ان الناس دي فاكرة
نفسها بتحب مصر وبتعمل ده بكل حسن نية وزي ما الحب ليه أشكال كتيرة ومنه ما يقتل
منه كمان ما يؤذي ويضر البلد لو كان حب بطريقة عمياء وعشوائية ومزاجية.
كان عندي إحساس
قوي ان الناس دي ماشيين من البلد أو ناويين يمشوا حتى لو هم مش عارفين كده دلوقتي
لكن خبر هجرتهم جاييلنا قريبا لأن حبهم لمصر كان مش كفاية يخليهم يبلعوا كرامتهم الثورية وينزلوا الانتخابات عسى ولعل
حاجة تتغير. وانت بتقاطع عامل زي المراهق اللي بيهدد مامته كل شوية انه يسيبلها
البيت ويمشي بس بيفضل محتمي بيها ومش بيمشي، لكن طول ما هو قاعد في حضنها مش
بيكلمها ولا بيبصلها، بيعاملها بخرس مستفز كأنه بيعاقبها عشان مقموص ومش عاجبه اللي عملته
مامته في الفسحة اللي كان نفسه فيها ومستني شكلها على مقاسه وغير كده مش لاعب.
المهم في الآخر،
فركش الاحتفال، أنا مش هاحتفل، أنا هاركب الترام وأروّح بيتنا، زمانه جوزي مستنيني ومحتاج ينزل شغله وأقعد أنا مع الأولاد اللي مدارسهم أجازة النهاردة. أنا هاركب الترام ولأول مرة بمئات المرات هايعرفوا
اللي حوالي في عربة السيدات اني مصرية (أو اني وانا جاية من إيطاليا اتعورت تعويرة فوشيا في صوباعي الصغير!!)، أنا هاركب الترام وهابص على صور الشهداء المدهونة على حيطة نادي الاتحاد، هانزل في محطة
الابراهيمية، هاشتري كرت شحن لموبايلي، هاجيب أي فاكهة من العربيات في شارع اللاجيتيه، وفي البيت هاصور صوباعي بكاميرا عادية وهاحط الصورة
على مدونتي وهاكتب الكلام ده عشان ولادي في يوم يكبروا ويعرفوا ان مامتهم بعد 36
سنة من ولادتها جربت طعم الانتخابات، وبدل ما يكون زي الآيس كريم بنكهة الفانيليا والمكسرات، كان عامل زي السبانخ المسلوقة من غير ملح، كل برلمان وانتم طيبين.
No comments:
Post a Comment