"بيشرفني يا عمي أطلب إيد بنتك..." أكمل العجوز كلامه بكل ثقة متجاوزاً نظرات الحاضرين لهذه الجلسة الغريبة. كيف للعريس العجوز أن يخاطب والد عروسته الاصغر منه سناً قائلاً "يا عمي" ألم يكن من المنطقي أن يقول "يا ابني"؟!
يا له من عجوز غريب فقد دب الشيب في شعر رأسه وحفرت خبرة السنين نقوشها على تجاعيد وجهه لكنه يقف وقفة شاب في الثلاثين من العمر. صوته يرن في أرجاء الغرفة تتناقله قطع أثاث المنزل كما لو أنها جبال شامخات تتخاطب بلغة الصدى لكن يداه فتيتان لم تنهكهما ورشة أو مصنع ولم تخشوشنا من تقلبات طقس أو مغامرات سفر.
كانت هي شاردة الذهن تسبح في بحر أحلامها: "سأتغير حتماً، سأصبح شخصاً أفضل بعد الزواج فقد وجدته أخيراً، ذلك الفارس الذي سيحملني إلى عوالم لم أرها وسأعيش معه أيامي بلا سأم ولا ملل فسترتدي الدنيا حللا جديدة كل صباح من صباحات زواجنا السعيد وسأسعى لأن..."، "بحبك يا حليمة" فاجأتها كلماته موقظة إياها كالمنبه الذي يرن دائماً قبل موعده لكنها طربت لنغمة تلك الكلمات الثلاث وكادت أن تفتح باب مخيلتها من جديد لولا صفارة الإنذار التي أطلقتها والدتها: "لولولو لييييييييييي" وتعالت هتافات الحضور: "مبروك... الف مبروك... بالرفاه والبنين... الله يسعدكم..."
وخلال أسابيع قليلة تم حفل الزفاف الذي باركته كل البلاد العربية من المحيط إلى الخليج دون علم منها بأن زواج التاريخ بحليمة لن يعني أن أيا منهما سيتغير، وفعلا هذا ما حدث فور انتهاء شهر العسل: بقي التاريخ يعيد نفسه ورجعت حليمة لعادتها القديمة...
جميع الحقوق محفوظة لمدونة رهاميات
(ونقرأ في عناوين الصحف الصادرة هذا الصباح: قتلى وجرحى في اطلاق قذائف على دمشق وحلب. استشهاد 10 جنود بسيارة ملغومة في سيناء. 23 قتيلا في هجومين ببيروت. ارتفاع حصيلة ضحايا طرابلس إلى 50 قتيلا ومئات الجرحى. قتلى وجرحى عراقييون بينهم جنود وضابط كبير.)
No comments:
Post a Comment