Tuesday, January 20, 2015

مذكرات زوجة قسيس شابة : الغول

نشرت مجلة "أعمدة الزوايا" في عددها الصادر لشهر يناير/كانون الثاني 2015 مقالي الرابع من سلسلة "مذكرات زوجة قسيس شابة" وهو بعنوان "الغول" لكن هيئة التحرير ارتأت أن تحذف مصطلحات وجملا وتضيف بعض الكلمات والآيات التي لم أقتنع على الإطلاق بضرورتها فآثرت أن أنشر النسخة الأصلية كما كنت قد أرسلتها للمجلة.

قصاصات وقصص ومجازفة وأمل. ها هي بين أيديكم أعزائي القراء أشارككم بها، قصاصات من دفتر مذكراتي فيها قصص من رحلة أشبه بمغامرات الخيال فقد قبلتُ المجازفة بأن تخرج تلك الكلمات لترى النور وكلي أمل بأن تتحول ما بيننا السطور إلى جسور طمعاً بحفنة صداقات وفيض بركات والمزيد من المحبة أبداً.

مذكرات زوجة قسيس شابة
/ الغول /

لكل منا شخصيته المفضلة في قصة الميلاد، سواء لعبت هذه الشخصية دورا إيجابيا أو سلبيا في الدراما الميلادية فنحن نتأمل تفاعلها مع الأحداث في قرينة الحياة آنذاك ونستقي منها دروساً وتأملات وتعزيات وتحديات. كل عام أختار لنفسي شخصية مختلفة للتأمل بها ووجدتني هذه المرة أختار شخصية "الغول" وبدأت أفكر أكثر وأكثر بـ "غول الميلاد" فانطلقت باحثة عن الآيات التي أتت على ذكر هذا الغول حتى وإن لم تستخدم نفس التسمية بمعناها الحرفي "المتجسد" إلا أن الغول بشكله المجازي أثبت حضورا ملفتاً مع عدة شخصيات كان لها أدوار محورية في قصة التجسد.

هناك غول في الميلاد وغول في حياة كل فرد فينا. منا من جاءه غوله نتيجة ظروف وخبرات معينة ومنا من ورثه عن أسرته منذ نعومة أظفاره كحالي أنا حيث قدمت جدتي غولها لأمي ومن بعدها وصلني أنا فقررت ألا أحتفظ به لكنني سرعان ما اكتشفت أن الموضوع ليس بالبساطة التي كنت أتخيلها. استمرت محاولاتي للتخلص من ذلك الغول  سنوات عدة فبتُّ أهمله وأتجاهله وأتعمد ألا أغذيه عله يموت جوعا. وقد كان لزوجي الدور الأكبر في مساعدتي على محاربة الغول حتى حققت انتصارات في معارك عدة لكنني لم أكسب الحرب، وفي الوقت الذي طننت أنني تخلصت من الغول تماماً أنجبت، فصرت أنا أمّاً كجدتي وأمي ووجدت غولي ينتعش ويعود إلى نشاطه من جديد ثم جاءت الثورة وتوالت الأحداث في مصر وسوريا فارتدى غولي أبهى حلله وازدهر نشاطه واستسلمت للحياة عاصية الآية التي تقول (بتصرف): "إن راعيت خوفا في قلبي لا يستمع لي الرب."

ونحن على مشارف عام جديد نرى الخوف يزيد من الغشاوة على عيوننا مع أن رأس السنة هو يوم عادي كأي يوم آخر، تسبقه سنوات وتليه سنوات أخرى لكن مطلع العام على وجه التحديد يأجج شعورنا وتفكيرنا بالمستقبل أكثر من أي وقت آخر فنفكر بما سيأتي ونخاف، نفكر بالمجهول ونخاف، نفكر بـ "المستخبي" ونخاف، نفكر بصحتنا في العام الجديد ونخاف، نفكر بأمان أولادنا في الأيام القادمة ونخاف، نفكر في الماديات وتسديد الاحتياجات فنخاف... ومع كل فكرة نرمي كسرة خبز يقتات عليها غولنا فيكبر.

غول الميلاد شخصية مكروهة تماماً وما أكثر الآيات التي تحارب الخوف في القصة الميلادية حيث يرسل الله ملاكا يقول لمريم "لا تخافي يا مريم" وللرعاة "لا تخافوا" و ليوسف "لا تخف" فأسمع نفس الوصية الميلادية تقول لي "لا تخافي يا رهام"... وهي ليست المرة الأولى التي أسمع بها هذه الوصية ففي السنوات الماضية رافقتني نفس الهمسات: لا تخافي من نتيجة الامتحانات، لا تخافي من الجامعة، لا تخافي من الوحدة، لا تخافي من الغربة، لا تخافي من العمل، لا تخافي من الفراق، لا تخافي من قرار الزواج، لا تخافي من متاعب الحمل، لا تخافي من مخاطر الولادة، لا تخافي من أمراض الطفولة، لا تخافي من حوادث المدارس، لا تخافي من الموت، لا تخافي من الثورة، لا تخافي من التغيير، لا تخافي من الاضطهاد... ولو فتشنا الكتاب المقدس سنجد أن وصية "لا تخف" تكررت ما يقارب 365 مرة، أي بمعدل مرة لكل يوم في السنة، لكن شخصاً مثلي يحتاج إلى 1440 "لا تخف" أي بمعدل مرة لكل دقيقة في اليوم! لا تخافي من الغد لأن الغد يهتم بما لنفسه، لا تخافي لأني معك، لا تخافي آمني فقط...

لن أدّعي أني تغلبت على غولي فكلما أطل برأسٍ وقطعتها له رأيته يطل بأخرى وبات من الصعب بمكان التغلب على غول متعدد الرؤوس لكنني هذا العام سأحيا مدججة بالسلاح، سلاحي الأول هو عمانوئيل فقصة الميلاد تبشرنا بأن الله معنا وإن كان الله معنا فمن علينا، و سلاحي الثاني من الآية التي اخترناها أنا وزوجي شعارا لارتباطنا حيث الترياق الوحيد الذي يمكنه أن يطرح الخوف إلى خارج هو المحبة الكاملة.
فلنبدأ عامنا الجديد متمسكين بعمانوئيل متكملين في المحبة متسلحين بوعود الميلاد مرددين وصية الملاك "لا تخافوا" لتكون سنة 2015 سنة النصرة والغلبة على الغول.





 بدون تعليق: إسمي سقط سهوا ولم يظهر في ذيل المقال كالمعتاد لكن جل من لا يسهو

جميع الحقوق محفوظة لمدونة رهاميات

No comments:

Post a Comment