Sunday, February 1, 2015

مذكرات زوجة قسيس شابة : العاصفة

قصاصات وقصص ومجازفة وأمل. ها هي بين أيديكم أعزائي القراء أشارككم بها، قصاصات من دفتر مذكراتي فيها قصص من رحلة أشبه بمغامرات الخيال فقد قبلتُ المجازفة بأن تخرج تلك الكلمات لترى النور وكلي أمل بأن تتحول ما بيننا السطور إلى جسور طمعاً بحفنة صداقات وفيض بركات والمزيد من المحبة أبداً.

مذكرات زوجة قسيس شابة
/العاصفة/

تداعب مخيلتي  منذ مدة فكرة استطلاع للرأي تشارك فيه زوجات القسوس من مختلف الأعمار في البلاد العربية عن المهنة التي كن يتمنين أن يعمل بها أزواجهن. لا أعني أن أُحِدّ خدمة القسيس بأبعادها اللانهائية في مجرد كونها "مهنة"، إلا أننا لو تناولنا الواقع بالسؤال المعتاد "ماذا يعمل زوجك؟" تكون أجوبتنا جميعا كزوجات قسوس: "زوجي قسيس" بكل بساطة وتعقيد في آن معاً.

كلما سألت نفسي هذا السؤال وجدتني أختار إجابة مختلفة بحسب عوامل متعددة وعندما عاودني السؤال خلال الشهر المنصرم كانت إجابتي خاضعة لظروف "الطقس" وأعني به الأرصاد الجوية وليس الطقس الكنسي فنحن ننتمي للكنيسة المصلحة التي لا تخضع لطقس عبادة معين لكننا خاضعون ككل سكان هذه الكرة الأرضية للتقلبات المناخية حيث كان لنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نصيب الأسد مع مطلع هذا العام بعواصف ضربت منطقتنا كالعاصفة "زينة" و العاصفة "هدى".

مع اقتراب شهر شباط / فبراير الذي يتوسطه عيد الحب، عيد الـ"فلانتاين"، تمنيت لو كان زوجي خبير أرصاد جوية كبير الشأن كي تكون هديته لي عاصفة يسميها بإسمي فأسمع تلك الجملة في ختام موجز الأنباء: "أما عن الأحوال الجوية فمن المتوقع أن تصل العاصفة "رهام" يوم غد يرافقها سحب كثيفة وهطول للثلوج في المرتفعات وأمطار غزيرة في المناطق الساحلية". كانت فكرة ساحرة أعجبتني لكنني سرعان ما أفقت من أحلام اليقظة لأرى أن زوجي لا يزال قسيساً وأننا كأسرة لا نعير اهتماما يُذكَر لعيد الحب، لكنني لازلت أتمنى وجود عاصفة تحمل إسمي.

ماذا لو كان بإمكاني صناعة عاصفة رهامية تناسب شهر الحب؟ لا بد لي في البداية من التعرف إلى صفات العواصف والأسباب التي دفعت خبراء الأرصاد في البلدان العربية إلى إطلاق أسماء أنثوية عليها إذا أنه من المؤكد وجود صفات مشتركة بين العاصفة والأنثى.

مما لا شك فيه أن العاصفة قوية، جبارة، تحدث تغييرات مناخية بعيدة المدى منها السلبي كتحطيم الأشجار وشلل الحركة المرورية ومنها الإيجابي كارتفاع منسوب المياه في الأنهار للقضاء على جفاف قاسٍ في موسم شتوي سابق. من صفات العواصف أيضا أنها متقلبة المزاج فحتى أمهر خبراء الطقس لا يمكنهم التوقع الدقيق لمسار العاصفة وشدتها وحدة الدمار الذي قد تتسبب به كما يصعب تحديد الخير والارتواء الذي ستحمله العاصفة لجبال وأنهار وآبار فيمتد تأثيرها إلى كل أشكال الطبيعة الحية بما فيها الإنسان. فبمجرد مرور العاصفة في حياتنا ستكون الدنيا حتما بعد العاصفة مختلفة تماما عنها قبل العاصفة.

في كل حديث عن العواصف وقساوة الشتاء يستحيل علي أن أُنكر واقعنا الإنساني المؤلم في عام 2015 ونحن نرى أعداد اللاجئين والنازحين الذين شردتهم الحرب وتركتهم بلا مأوى في تزايد مستمر. لن أتعامى عن قصص الموت والمرض الذي يدبّ في مخيمات اللجوء هذه السنة أقسى مما مضى ويدفع بالإنسانية إلى الوقوف خجلى لتقصيرها وأنانيتها. لكنني لو كنت أنوي أن أتحول إلى عاصفة فأمامي الخيار أن أنتقي من الصفات المذكورة تلك أنبلَها وأروعَها فأعيشَهُ في واقعي الشخصي والأُسري والكنيسي وأبدأَ موجة من العواصف الأنثوية تتبعُني إليها كل إناث منطقتنا المنكوبة فنرى شهر شباط / فبراير 2015 وقد غزَتْه العواصف من كل حدب وصوب. عواصف تتحدى المألوف، عواصف تُحدث تغييرات لا رجعة بعدها، عواصف تتفاءل برقم الشؤم 13 لأنها ستعيد إحياء الأصحاح الثالث عشر من رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس فنرى المحبة التي لا تسقط أبدا وقد تساقطت زخاتٍ زخات لتغذي آبارنا المشققة فتفيضَ حياتنا أنهار حب على مدار العام. ومع منتصف الشهر سأتوقع سماع زوجي يعايدني قائلا: "كل عام وأنت عاصفتي"!


بدون تعليق: ياسمينتنا (التي اكتسبت شهرتها من هذا المقال here) تابعت العواصف من شباكنا الاسكندراني ثم دخلت سباتها الشتوي وتركتنا ننتظر الربيع هذا العام بشوق أكبر من أي عام مضى لأننا نسقي أوراقها الذابلة بإيمان أنها لم تمت ولكنها ستعود إلينا مع اقتراب عيد ا لأم

أعتذر لقراء مجلة "أعمدة الزوايا" عن توقفي في نشر مقالات "مذكرات زوجة قسيس شابة" في المجلة وذلك لأسباب شخصية آثرت الاحتفاظ بها لنفسي، ولكن هذا العنوان بات كأحد أبنائي منذ اللحظة الأولى التي لمع بها في ذهني فكتبته بسطوره الأولى، عنواني الذي سكنني ويرجوني ألا أتخلى عنه ويدفعني أن أكمل كتابة مذكراتي من هذه الزاوية.

1 Corinthians 13 - in ARABIC

جميع الحقوق محفوظة لمدونة رهاميات

No comments:

Post a Comment